17‏/04‏/2010

قتل الخيال .. بدآفع "الإرتقاء بالتعليم" !!!


أ ب ت ..ثاء جيم حاء خاء.. دالٌ دالٍ دالً، كلمة مرفوعة بالضمة.. فعل مجرور وعلامة الجر تنوين الكسر ، جملة خبرية وجملة أسمية...إلخ إلخ !


أنت يا ولد .. ذو النظارات جهة اليمين .. نعم .. نعم أنت ، قف وأقرأ النص..

كانت الفتاة..

لحظة .. بالحركات يا ولد ، اللغة العربية الفصحى ! كانتي الفتاتو .. أكمل

كانآتي الفتاتو تسيرو.. بينا الأشجاري ، توغني وتاقفوزو وسطا الأزهار ...

جيد ... أعرب كلمة "الفتاة" حسب موقعها من الجملة !

نتعلم اللغة العربية ، لـ نقدم الإختبار ! ونتعلم القرآءة لـنقرأ Menu المطاعم ! ونتعلم .. لنعلق الشهـــآدة ! ونتعلم لأن التعليم صفة الحضارة ! ونتعلم .. لأن الناس تريد أن ترآنا هكذا !


لغة إقرأ ، أصبحــت لغة "أحفظ يا ولد وأعرب الكلمة التي تحتها خط" ! لا نحن من حفظ ! ولا أجاد الإعراب .. ولا قرأ !

يقول طه حسين : أكبر خطأ أرتكبته عندما كنت وزير للتعليم ، أنني أحلت تعليم اللغة الإنجليزية للصفوف المتوسطة ، معتقداً أن ذلك سيقوي اللغة العربية ، والنتيجة .. لا هم أتقنوا العربية ولا تعلموا الإنجليزية !


بالأمس القريب كنت أتحدث مع بائع في المكتبة وقد أعتاد ترددي الإسبوعي من أجل الرويات والكتب المختلفة (وكان يعلم بقدومي من مسافة .. ويقف على قدميه ، فرفعاً لمعنوياتي المنهارة مؤخراً عزوت ذاتك "لجمال طلتي" ! وللصدق فأنني أعتقد أنني المترددة – بتاء التأنيث ومن دونها كذلك – على المكتبة خلال شهر ونصف من الزمان ! ) قلت له في جدالي بالنسبة للسعر: أنني أكاد أشتري منك ثلاثين كتاباً ولم تكلف نفسك يوماً أن تخفض السعر أو تهديني كتاب .. أنني لا أرى مشترين في هذه المكتبة سواي !

فأجابني بأعتذار ووضع كتاب لـ"سيدني شيلدون" كهدية لي قائلاً بلهجة مصرية : أن تجارة الكتب هي تجارة كاسدة .. وفاسدة !. أن الزمن هذا زمن الفساتين الجاهزة والإكسسوارات اللبنانية البراقة. مشيراً للمحلات التجاري المحيطة به ، أبتسمت إبتسامة ممتلئة بالأسف ، وبادلني أياها بتقطيبة حواجب وهزة رأس متذمرة !

كنت أود أن أخبره أن المشكلة الأساسية ليست في التجارة الأخرى ، ولا أنتعاشها ووجودها ! بل هي في المدارس المجاورة .. التي تهتم بالإعراب والتنوين والضم والغم والهم .. قبل متعة القرآءة !


أن المشكلة تكاد تتجاوز حدود ذلك ، فالقضاء على مخيلة الطفل / الإنسان أصبح واجب أساسي على المعلم ! ما زلت أذكر زوجة أخي وهي تقول لي :علمي إبنتي مريم الرسم ! أنتابتني صدمة مضحكة : الرسم لا يعلم .. هو إبداع.

لكنها رفضت ذلك قائلة أن معلمة الرسم تصر على توحيد ألوان الزهور ! وألوان البشر .. والأرض والسماء والأعشاب والبالونات ! أخبرتني "أبنة أخي مريم" أنها قررت تلوين الوردة باللون الأسود ، فأخبرتها المعلمة أن لا ورود سوداء ! ،، حسناً إن أبتعدنا عن قضية خيال ونفسية الطفلة .. فأن بالفعل هنالك زهور سوداء ، الزنبق الأسود أغلى الورود على الإطلاق ! .. وهنالك الصبغة السوداء التي تصبغ بها الورود عندما تضاف في الماء، وكما في أليس في بلاد العجائب .. قد نلونها بالصباغ الأسود ونحن نتراقص ! .. أو ننتهي من هذه القضية.. نحرقها فتتفحم !

أن الرسم بدأ في التحول منذ زمن إلى ملل .. وخرج عن مفهوم الإبداع منذ اختير تقيمه بدرجات ! وها هو يتطلب الآن قواعد ! وبعد أيام سنبدأ بإعرابه كاللغة العربية !

أستئصال الإبداع والخيال هو ما يحتاج إستئصالاً من أفئدة العرب ليتخطوا مرحلة العالم الثالث !.. نحتاج لنتعلم القرآءة .. لنستمتع فيها ، لتمتلئ المكتبات عن آخرها .. بالمشترين ! ويتدافع الكتاب لكتابة المفيد لأن القآرئ يريد كتاباً يفيده ويمتعه .. لا كتاباً يستثير غرائزه ويشبع فضوله ! سنبتعد عن الساقط من الأمور .. كتب وروايات التوافه حيث تغازل فتاة شاب.. ولا يكتب لهم الزواج ! سنمتلك كتاب من النوع المنقرض كـ طه حسين .. نجيب محفوظ وأنيس منصور أو كالأجانب من دان براون وستيفاني ماير وسيدني شيلدون وأغاثا كرستي وإيزابيل إلليندي !

حسناً سأعترف : لا أجيد الإعراب ولا أحفظ الحروف العربية بالترتيب ..حتى الآن ! ولهذا .. ولأنني لم أعاني من عقدة إعراب الكلمات وتنوينها .. وصف الحروف نسخاً ورقعة ، فأنني ما زلت أقرأ كتباً ، شكراً لأن فهمي وحفظي سقيمان لحد مسح الهدف من الضمة والكسرة ، وخيالي لم يدفنه .. لون الوردة السوداء ، سواء كانت تلك جملةً أسمية أو .. فعلية !


هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك .. تدوينة جميلة أعجبتني كثيراً خاصة أنك نوعت فيها الكلام من اقتباسات ومقولات .. وأخيراً ابداع قلمك ..
    شكراً لك أخي الفاضل ..

    ردحذف